صحة

أشباح “المرض إكس” عادت مع مخاوف فيروس HMPV

سقطت وسائط إعلام رقمية كثيرة في فخ المخاوف غير المبررة من تحول انتشار محدود لـ”ميتانموفيروس” HMPV إلى جائحة، على رغم تراكم سريع للأدلة التي تنفي ذلك. ويذكّر ذلك بسقطات إعلامية تكررت في العقد الأخير، لكنها كانت أوسع انتشاراً وتأثيراً، عن “وباء” عالمي يفتك بعشرات الملايين ويسببه فيروس ” المرض إكس” X disease.

وفي كل مرّة، جرى التذكير بأن لا وجود للفيروس “إكس” على الإطلاق، لكن ذلك لم يحل دون تكرار الذعر.

ومع مخاوف لا أساس لها من “ميتانموفيروس”، بدا كأن أشباح “الوباء إكس” قد جددت نفسها تحت إسم آخر. وتكررت الأوهام، في مشهد عبثي تماماً.

الوهم سيّد الواقع!

بدل الاستمرار في التنبّه إلى انتشار “جدري القردة” داخل أوروبا قادماً من أفريقيا، وبدل التيقظ من حرائق تاريخية في لوس أنجلوس شكلت أحدث تعبير عن التدهور المريع في البيئة، وبدل إثارة نقاش مُجدٍ عن كرة أرضية غير مستعدة بعد لمواجهة جائحة رغم أنها بالكاد نجت من ضربة “كوفيد 19″، ذهب الإعلام إلى حرب مع شبح وهمي قوامه الخوف من تحوّل عدوى شتوية عادية سببها “ميتانموفيروس” في مناطق من شمال الصين، إلى جائحة.
وفي 09 كانون الثاني (يناير) 2025، أكدت مراكز صينية متخصصة برصد الأوبئة، أن تلك العدوى مستمرة في التراجع، وذكرت بانتشار فيروسات تنفسية تصاحب موسم الشتاء كل سنة، متوقعة انحسارها في الأسابيع المقبلة.
وتذكيراً، يعطي “الفيروس إكس”، نموذجاً عن الأشكال المتنوعة التي قد تتخذها ظاهرة “الأخبار الكاذبة”  Fake News في الإعلام وشبكاته.
وبالاستعادة، انطلقت أشباح الوهم بشأن وباء الفيروس “إكس” في آذار (مارس) 2018، عقب صدور تقرير علمي عن اجتماع عقدته “منظمة الصحة العالميّة” في مقرّها بجنيف، ضمّ خبراءها الكبار في مجال الأوبئة. وأطلقت سلسلة اجتماعات مشابهة عقب معركة استمرت بين عامي 2013 و2015 مع موجة وباء بدت شبه مستعصية من فيروس “إيبولا” في أفريقيا، خصوصاً في ساحلها الغربي. ولامست تلك الموجة أميركا، وكادت أن تنتقل إلى أميركا وكندا. ويسبّب “إيبولا” حمى تترافق مع نزيف من العين والأنف والفم وغيرها.
وفي اجتماع عام 2018، ظهر مصطلح “الفيروس إكس” للمرة الأولى، باعتباره تصوراً علمياً، وليس فيروساً موجوداً فعلياً. إذ وضع العلماء منهجاً للتفكير في وباء يأتي من فيروس لا وجود فعليّاً له. ووضعوا صيغة عن المواصفات التي يتوجّب أن يمتلكها فيروس مفترض كي يطلق وباءً يصعب التصدي له عالميّاً.
وفي ذلك السياق، تحدّث الخبراء عن احتمال أن ينفلت عنصر وبائي من مختبر ما يشتغل على الفيروسات وتراكيبها (بالأحرى، يعيد تركيبها صناعياً لتكون أشد انتشاراً وأكثر ضرراً)؛ سواء بفعل دولة مارقة تريد ابتزاز العالم بسلاح فيروسي، أو بتسرّبه إلى تنظيمات إرهابيّة، أو غيرها.
وآنذاك، لاحظ أولئك الخبراء أيضاً أن الاضطراب المناخي يضرب الأوضاع الطبيعيّة المستقرة منذ حقب مديدة، مما يهدّد باحتمال أن يخرج من عالم الحيوان فيروس ما يكون أشد فتكاً مما انطلق منها سابقاً، على غرار فيروس “إيبولا”.

نداءات بيل غيتس و”فشل” الذكاء التوليدي في 2024

وفي 2018 أيضاً، دار نقاش علمي معمّق عن دروس التخبّط في مواجهة فيروس “إيبولا” الذي يسبب حمى مع نزيف من العين والأنف والفم، خصوصاً مسألة ضعف نُظُم الرعاية الصحيّة عالميّاً حيال الأوبئة وموجاتها. وحينها، رصد ذلك الأمر نفسه بيل غيتس، المؤسّس الأسطوري لشركة مايكروسوفت ومموّل “صندوق ميلندا وبيل غيتس” الذي ساهم في المعركة المتخبطة ضد فيروس “إيبولا” في أفريقيا. المفارقة أن غيتس كرر نداءاته قبل جائحة “كوفيد” مباشرة، كأنه حدس بها، وأعاد مناشداته بعدها، ولكن،يا للآسف، من دون جدوى.
ويجدر أيضاً تذكّر أنّ عام 2018 صادف مرور قرن على وباء “الإنفلونزا الإسبانيّة” التي انفلتت في الولايات المتحدة في آذار (مارس) 1918، ونقلها جنود أميركيون إلى أوروبا إبّان الحرب العالميّة الأولى، وانتشرت عالميّاً. وفتكت بأرواح ما يراوح بين 50 مليوناً و100 مليون شخص، قضوا في تلك الجائحة التي تُعتبر الأسوأ في تاريخ الأوبئة.
هل من علاقة بين حضور أشباح الأنفلونزا الإسبانية وانفلات أوهام المخاوف التي راجت عبر الإعلام الرقمي بشكل خاص، عن “الوباء إكس”؟

الأرجح أن الخيط المشترك بين “الوباء إكس” الذي لا وجود له والجائحة المتوهمية، يكمن في ظاهرة “الأخبار الكاذبة” التي يتضح بشكل متصاعد أنها تملك أبعاداً وتشابكات شتى.
واستطراداً، ربما يصح أن “الأخبار الكاذبة” لم تؤدِّ دوراً حاسماً في انتخابات الرئاسة الأميركية 2024، لكنها حضرت فيها بمعنى آخر. لقد صنعت محتويات مفبركة سهّل صنعها الذكاء الاصطناعي التوليدي، بشكل كثيف، وكذلك جرى استهداف الجمهور والناخبين بمحتويات زائفة وموجّهة وما إلى ذلك.

والأرجح أن كل تلك المحتويات الذكية المفبركة “فشلت في” إحداث التأثير المطلوب. ولم يحسم ذكاء الآلات معركة انتخابات الرئاسة الأميركية في 2024. في المقابل، ألا يبدو الأمر مدعاة للتساؤل بعمق أكبر. أليس مثيراً أن يصبح انتشار الفبركة بالذكاء الاصطناعي عنصر وقاية ضد تأثيرها؟ هل يمكن وصف ذلك بأن الفضاء الافتراضي تحول إلى حوار متبادل بين أنظمة الذكاء الاصطناعي، فيما البشر يؤدون دوراً يتقلص باستمرار فيها؟
لعل تلك الأمور في حاجة إلى نقاشات من نوع آخر.

استمع لراديو MAESTRO FM 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى