أرشيف الإعلام اللبناني: ذاكرة وطن تُحتضر بصمت

بين أشرطة تتآكل تحت وطأة الغبار، وتاريخ يتلاشى بلا رقيب… هل نستفيق قبل أن نودع ذاكرة لبنان للأبد؟
في أروقة الأرشيف الرسمي، حيث تلتقي الأشرطة القديمة بغبار النسيان، تموت ذاكرة لبنان ببطء، غير مدركة أن كل لحظة تذهب هي قصة تُنسى، وصوت يختفي من التاريخ.
في زمن تضيء فيه دول العالم ذاكرتها الرقمية، نبقى نحن واقفين على مفترق طرق: هل نحفظ تاريخنا، أم نتركه يذوب في صمت الغفلة؟
بين التوثيق والغفلة: معركة الذاكرة الوطنية
رغم مكانة تلفزيون لبنان كأول شاشة رسمية في المنطقة، يظل أرشيفه غارقًا في ظل الإهمال. أشرطة تتآكل، ومواد مهددة بالتلف، ولا خطة وطنية لحمايتها أو رقمنتها.
أما الأرشيف الصوتي للإذاعة اللبنانية، فكنز من الأصوات التي صنعت التاريخ، لكنه محجوز في خزائن غير مجهزة، يصعب الوصول إليه، وكأنه محادثة مع الماضي تُترك مهملة.
ذاكرة الإعلام… قصيدة الوطن التي تكتب نفسها أو تُمحى
الأرشيف الإعلامي ليس مجرد تسجيلات؛ إنه نبض الحكايات التي ترسم هوية لبنان.
وحين تتلاشى هذه الأشرطة، لا يموت فقط الصوت والصورة، بل تموت ذاكرتنا الجمعية، ويصبح لبنان صورة باهتة في مرآة التاريخ.
العالم يحفظ… ونحن لا زلنا ننتظر
فرنسا أنشأت منصة رقمية عامة لأرشيفها التاريخي، بينما خصصت مصر ميزانيات ضخمة لحفظ أرشيف “ماسبيرو”، المغرب شق طريقه نحو أرشفة شاملة بالتعاون مع الجامعات، كندا وتونس أطلقوا مكتبات رقمية مفتوحة للباحثين والجمهور.
في لبنان، لا تزال الأشرطة تتكدس دون خطة واضحة، وتاريخنا الإعلامي ينتظر إنقاذًا لا يأتي.
لماذا كل هؤلاء سبقونا؟ ماذا ننتظر نحن؟
وزارة الإعلام: بين حفظ الإرث ونداء الأجيال
على عاتق وزارة الإعلام اليوم مسؤولية تاريخية؛ حماية هذا الأرشيف الوطني وإطلاق خطة شاملة للرقمنة، بالتعاون مع المؤسسات الثقافية والأكاديمية، مع أهمية تنسيق الجهود مع المجلس الوطني للإعلام الذي يضطلع بدور محوري في وضع الأطر التنظيمية وضمان تخصيص الموارد اللازمة لاستدامة وحماية ذاكرة الإعلام اللبناني.
خطوات بسيطة مثل تقييم الأرشيف، رقمنته، وإتاحة محتواه تدريجيًا، ليست رفاهية بل واجب وطني وأمانة في عنق الأجيال القادمة.
رغم غياب خطة وطنية شاملة حتى اليوم، فإن وزارة الإعلام بدأت تُظهر اهتمامًا متزايدًا بهذا الملف. وزير الإعلام زياد المكاري وصف الأرشيف الإعلامي بأنه “كنز للبنان”، مؤكدًا أن الحرب والفوضى تسببتا في ضياع أجزاء منه، وأن الوزارة تعمل منذ فترة على رقمنته وإتاحته للباحثين والجامعات.
لكن الواقع لا يزال يتطلب ما هو أكثر من المبادرات الجزئية. فالحفاظ على ذاكرة وطن لا يكون بنوايا طيبة فقط، بل بخطة واضحة، وإرادة حقيقية لإنقاذ ما تبقى قبل أن يُمحى من الوجود.
صرخة أخيرة قبل أن يُمحى التاريخ
ذاكرة لبنان الإعلامية ليست مجرد أشرطة قديمة، بل هي سجل حي لتاريخ وطن لا يُعوّض.
إن لم نحافظ عليها اليوم، سنخسر جزءًا من هويتنا وروحنا الوطنية.
على وزارة الإعلام أن تتحرك بخطة شاملة، لا بمبادرات متفرقة.
فالذاكرة لا تنتظر، والتاريخ لا يُعاد.
بقلم سارة هنداوي